كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {أنفقوا} مفعول محذوف: أي شيئا {مما} وما بمعنى الذى، والعائد محذوف: أي رزقنا كموه {لابيع فيه} في موضع رفع صفة ليوم {ولا خلة} أي فيه {ولا شفاعة} أي فيه، ويقرأ بالرفع والتنوين، وقد مضى تعليله في قوله: {فلا رفث}.
قوله تعالى: {الله لاإله إلا هو} مبتدأ وخبر، وقد ذكرنا موضع هو في قوله: {وإلهكم إله واحد} {الحى القيوم} يجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف: أي هو، وأن يكون مبتدأ والخبر لا تأخذه، وأن يكون بدلا من هو، وأن يكون بدلا من لاإله، والقيوم فيعول من قام يقوم، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمتا، ولا يجوز أن يكون فعولا من هذا، لأنه لو كان كذلك لكان قووما بالواو، لأن العين المضاعفة أبدا من جنس العين الأصلية مثل: سبوح وقدوس، ومثل: ضراب وقتال، فالزائد من جنس العين، فلما جاءت الياء دل أنه فيعول، ويقرأ القيم على فيعل، مثل سيد وميت، ويقرأ القيام على فيعال، مثل بيطار، وقد قرئ في الشاذ القائم مثل قوله: {قائما بالقسط} وقرئ في الشاذ أيضا {الحى القيوم} بالنصب على إضمار أعنى، وعين الحى ولامه ياءان، وله موضع يشبع القول فيه {لا تأخذه} يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون له موضع، وفى ذلك وجوه: أحدها أن يكون خبرا آخر لله أو خبرا للحى، ويجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في القيوم: أي يقوم بأمر الخلق غير غافل.
وأصل السنة وسنة، والفعل منه وسن يسن، مثل وعد يعد، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر {ولا نوم} لا زائدة للتوكيد، وفائدتها أنها لو حذفت لاحتمل الكلام أن يكون لا تأخذه سنة ولانوم في حال واحدة، فإذا قال ولانوم نفاهما على كل حال {له مافى السموات} يجوز أن يكون خبرا آخر لما تقدم، وأن يكون مستأنفا {من ذا الذى} قد ذكر في قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله} و{عنده} ظرف ليشفع، وقيل يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع، وهو ضعيف في المعنى لأن المعنى يشفع إليه، وقيل بل الحال أقوى، لأنه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد {إلا بإذنه} في موضع الحال، والتقدير: لاأحد يشفع عنده إلا مأذونا له، أو إلا ومعه إذن، أو إلا في حال الإذن.
ويجوز أن يكون مفعولا به: أي بإذنه يشفعون كما تقول: ضرب بسيفه: أي هو آلة الضرب، و{يعلم} يجوز أن يكون خبرا آخر، وأن يكون مستأنفا {من علمه} أي معلومه لأنه قال.
إلا بما شاء، وعلمه الذي هو صفة له لا يحاط به ولا بشئ منه، ولهذا قال: {ولا يحيطون به علما} {إلا بما شاء} بدل من شئ، كما تقول: ما مررت بأحد إلا بزيد {وسع كرسيه} الجمهور على فتح الواو وكسر السين على أنه فعل والكرسي فاعله، ويقرأ بسكون السين على تخفيف الكسرة كعلم في علم، ويقرأ بفتح الواو وسكون السين ورفع العين وكرسيه بالجر {السموات والأرض} بالرفع على أنه مبتدأ وخبر، والكرسي فعل من الكرس وهو الجمع، والفصيح فيه ضم الكاف، ويجوز كسرها للإتباع {ولا يؤده} الجمهور على تحقيق الهمزة على الأصل، ويقرأ بحذف الهمزة كما حذفت همزة أناس، ويقرأ بواو مضمومة مكان الهمزة على الإبدال و{العلى} فعيل وأصله عليو، لأنه من علا يعلو.
قوله تعالى: {قد تبين الرشد} الجمهور على إدغام الدال في التاء لأنها من مخرجها، وتحويل الدال إلى التاء أولى لأن الدال شديدة والتاء مهموسة، والمهموس أخف، ويقرأ بالإظهار وهو ضعيف لما ذكرنا، والرشد بضم الراء وسكون الشين هو المشهور، وهو مصدر من رشد بفتح الشين يرشد بضمها، ويقرأ بفتح الراء والشين، وفعله رشد يرشد مثل علم يعلم {من الغى} في موضع نصب على أنه مفعول، وأصل الغى غوى، لأنه من غوى يغوى، فقلبت الواو ياء لسكونها وسبقها ثم أدغمت، و{الطاغوت} يذكر ويؤنث، ويستعمل بلفظ واحد في الجمع والتوحيد والتذكير والتأنيث، ومنه قوله: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} وأصله طغيوت لأنه من طغيت تطغى، ويجوز أن يكون من الواو، لأنه يقال فيه يطغو أيضا، والياء أكثر.
وعليه جاء الطغيان، ثم قدمت اللام فجعلت قبل الغين فصار طيغوتا أو طوغوتا، فلما تحرك الحرف وانفتح ما قبله قلب ألفا، فوزنه الآن فلعوت، وهو مصدر في الأصل مثل الملكوت والرهبوت، {الوثقى} تأنيث الأوثق مثل الوسطى والأوسط، وجمعه الوثق مثل الصغر والكبر، وأما الوثق بضمتين فجمع وثيق {لا انفصام لها} في موضع نصب على الحال من العروة، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الوثقى.
قوله تعالى: {والذين كفروا} مبتدأ {أولياؤهم} مبتدأ ثان، {الطاغوت} خبر الثاني، والثانى وخبره خبر الأول.
وقد قرئ الطواغيت على الجمع، وإنما جمع وهو مصدر لأنه صار اسما لما يعبد من دون الله {يخرجونهم} مستأنف لا موضع له، ويجوز أن يكون حالا، والعامل فيه معنى الطاغوت، وهو نظير ما قال أبو علي في قوله: {إنها لظى نزاعة} وسنذكره في موضعه، فأما {يخرجهم} فيجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا من الضمير في ولى.
قوله تعالى: {أن آتاه الله} في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل، لأن تقديره: لأن آتاه الله فهو مفعول من أجله: والعامل في {حاج} والهاء ضمير إبراهيم، ويجوز أن تكون ضمير الذى، و{إذ} يجوز أن تكون ظرفا لحاج، وأن تكون لآتاه، وذكر بعضهم أنه بدل من أن آتاه، وليس بشئ لأن الظرف غير المصدر، فلو كان بدلا لكان غلطا، إلا أن تجعل إذ بمعنى أن المصدرية، وقد جاء ذلك وسيمر بك في القرآن مثله {أنا أحيى} الاسم الهمزة والنون، وإنما زيدت الألف عليها في الوقف لبيان حركة النون، فإذا وصلته بما بعده حذفت الألف للغنية عنها، وقد قرأ نافع بإثبات الألف في الوصل، وذلك على إجراء الوصل مجرى الوقف، وقد جاء ذلك في الشعر.
قوله تعالى: {فإن الله يأتي} دخلت الفاء إيذانا بتعلق هذا الكلام بما قبله، والمعنى إذا ادعيت الإحياء والإماتة ولم تفهم فالحجة أن الله يأتي بالشمس هذا هو المعنى، و{من المشرق} و{من المغرب} متعلقان بالفعل المذكور وليسا حالين، وإنما هما لابتداء غاية الإتيان، ويجوز أن يكونا حالين، ويكون التقدير: مسخرة أو منقادة {فبهت} على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بفتح الباء وضم الهاء، وبفتح الباء وكسر الهاء وهما لغتان، والفعل فيهما لازم، ويقرأ بفتحهما فيجوز أن يكون الفاعل ضمير إبراهيم، و{الذى} مفعول، ويجوز أن يكون الذي فاعلا، ويكون الفعل لازما، قوله تعالى: {أو كالذى} في الكاف وجهان: أحدهما أنها زائدة، والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر على قرية، وهو مثل قوله: {ليس كمثله}.
والثانى هي غير زائدة وموضعها نصب، والتقدير: أو رأيت مثل الذى، ودل على هذا المحذوف قوله: {ألم تر إلى الذي حاج} أو للتفصيل أو للتخيير في التعجب بحال أي القبيلتين شاء، وقد ذكر ذلك في قوله: {أو كصيب} وغيره، وأصل القرية من قريت الماء إذا جمعته، فالقرية مجتمع الناس {وهى خاوية} في موضع جر صفة لقرية {على عروشها} يتعلق بخاوية، لأن معناه واقعة على سقوفها، وقيل هو بدل من القرية تقديره: مر على قرية على عروشها: أي مر على عروش القرية، وأعاد حرف الجر مع البدل، ويجوز أن يكون على عروشها على هذا القول صفة للقرية، لابدلا تقديره: على قرية ساقطة على عروشها، فعلى هذا يجوز أن يكون وهى خاوية حالا من العروش، وأن يكون حالا من القرية لأنها قد وصفت، وأن يكون حالا من هاء المضاف إليه، والعامل معنى الإضافة، وهو ضعيف مع جوازه {أنى} في موضع نصب ييحيى، وهى بمعنى متى، فعلى هذا يكون ظرفا، ويجوز أن يكون بمعنى كيف فيكون موضعها حالا من هذه، وقد تقدم لما فيه من الاستفهام {مائة عام} ظرف لأماته على المعنى، لأن المعنى ألبثه ميتا مائة عام، ولا يجوز أن يكون ظرفا على الظاهر لأن الإماتة تقع في أدنى زمان: ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف تقديره: فأماته فلبث مائة عام، ويدل على ذلك قوله: {كم لبثت} ثم قال: {بل لبثت مائة عام} {كم} ظرف للبثت {لم يتسنه} الهاء زائدة في الوقف، وأصل الفعل على هذا فيه وجهان: أحدهما هو يتسنن من قوله: {حمأ مسنون} فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت للجزم.
والثانى أن يكون أصل الألف واوا من قولك: أسنى يسنى إذا مضت عليه السنون، وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات، ويجوز أن تكون الهاء أصلا، ويكون اشتقاقه من السنة، وأصلها سنهة لقولهم سنها، وعاملته مسانهة، فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا، وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف.
فإن قيل: مافاعل يتسنى؟ قيل: يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر بمنزلة شيء واحد، فلذلك أفرد الضمير في الفعل، ويحتمل أن يكون جعل الضمير لذلك، وذلك يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب لأنه أقرب إليه، وإذا لم يتغير الشراب مع سرعة التغير إليه فإن لا يتغير الطعام أولى، ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية، كما قال الشاعر:
فكأن في العينين حب قرنفل ** أو سنبل كحلت به فانهلت

{ولنجعلك} معطوف على فعل محذوف تقديره، أريناك ذلك لتعلم قدر قدرتنا ولنجعلك، وقيل الواو زائدة، وقيل التقدير: ولنجعلك فعلنا ذلك {كيف ننشرها} في موضع الحال من العظام والعامل في كيف ننشرها، ولا يجوز أن تعمل فيها انظر، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ولكن كيف وننشرها جميعا حال من العظام، والعامل فيها انظر، تقديره: انظر إلى العظام محياة.
وننشرها يقرأ بفتح النون وضم الشين وماضيه نشر.
وفيه وجهان: أحدهما أن يكون مطاوع أنشر الله الميت فنشر، ويكون نشر على هذا بمعنى أنشر، فاللازم والمتعدي بلفظ واحد والثانى أن يكون من النشر الذي هو ضد الطى: أي يبسطها بالإحياء، ويقرأ بضم النون وكسر الشين: أي نحييها، وهو مثل قوله: {إذا شاء أنشره}.
ويقرأ بالزاى أي نرفعها، وهو من النشز، وهو المرتفع من الأرض، وفيها على هذا قراءتان: ضم النون وكسر الشين من أنشزته، وفتح النون وضم الشين وماضيه نشزته، وهما لغتان و{لحما} مفعول ثان {قال أعلم} يقرأ بفتح الهمزة واللام على أنه أخبر عن نفسه، ويقرأ بوصل الهمزة على الأمر وفاعل قال: {الله} وقيل فاعله عزيز، وأمر نفسه كما يأمر المخاطب كما تقول لنفسك: اعلم يا عبد الله، وهذا يسمى التجريد، وقرئ بقطع الهمزة وفتحها وكسر اللام، والمعنى: أعلم الناس.
قوله تعالى: {وإذ قال} العامل في إذ محذوف تقديره: اذكر فهو مفعول به لاظرف، و{أرنى} يقرأ بسكون الراء، وقد ذكر في قوله: {وأرنا مناسكنا} {كيف تحيى} الجملة في موضع نصب بأرنى: أي أرنى كيفية إحياء الموتى، فكيف في موضع نصب بتحيى {ليطمئن} اللام متعلقة بمحذوف تقديره.
سألتك ليطمئن، والهمزة في يطمئن أصل، ووزنه يفعلل، ولذلك جاء {فإذا اطمأننتم} مثل اقشعررتم {من الطير} صفة لأربعة، وإن شئت علقتها بخذ، وأصل الطير مصدر طار يطير طيرا مثل باع يبيع بيعا، ثم سمى الجنس بالمصدر، ويجوز أن يكون أصله طيرا مثل سيد، ثم خففت كما خفف سيد، ويجوز أن يكن جمعا مثل تاجر وتجر، والطير واقع على الجنس والواحد طائر {فصرهن} يقرأ بضم الصاد وتخفيف الراء وبكسر الصاد وتخفيف الراء.
ولهما معنيان: أحدهما أملهن، يقال: صار يصوره ويصيره إذا أماله، فعلى هذا تتعلق إلى بالفعل، وفى الكلام محذوف تقديره: أملهن إليك ثم قطعهن.
والمعنى الثاني أن يصوره ويصيره بمعنى يقطعه، فعلى هذا في الكلام محذوف يتعلق به إلى: أي فقطعهن بعد أن تميلهن إليك، والأجود عندي أن تكون إليك حالا من المفعول المضمر تقديره فقطعهن مقربة إليك أو ممالة ونحو ذلك، ويقرأ بضم الصاد وتشديد الراء، ثم منهم من يضمها، ومنهم من يفتحها، ومنهم من يكسرها مثل مدهن، فالضم على الإتباع، والفتح للتخفيف، والكسر على أصل التقاء الساكنين، والمعنى في الجميع من صره يصره إذا جمعه {منهن} في موضع نصب على الحال من {جزءا} وأصله صفة للنكرة قدم عليها فصار حالا، ويجوز أن يكون مفعولا لاجعل، وفى الجزء لغتان: ضم الزاى، وتسكينها، وقد قرئ بهما، وفيه لغة ثالثة كسر الجيم، ولم أعلم أحدا قرأ به، وقرئ بتشديد الزاى من غير همزة.
والوجه فيه أنه نوى الوقف عليه، فحذف الهمزة بعد أن ألقى حركتها على الزاى ثم شدد الزاى، كما تقول في الوقف: هذا فرح، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، و{يأتينك} جواب الأمر و{سعيا} مصدر في موضع الحال: أي ساعيات، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا، لأن السعي والإتيان متقاربان، فكأنه قال: يأتينك إتيانا.
قوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم} في الكلام حذف مضاف تقديره: مثل إنفاق الذين ينفقون، أو مثل نفقة الذين ينفقون، ومثل مبتدأ، و{كمثل حبة} خبره، وإنما قدر المحذوف لأن الذين ينفقون لايشبهون بالحبة: بل إنفاقهم أو نفقتهم {أنبتت سبع سنابل} الجملة في موضع جر صفة لحبة {في كل سنبلة مائة حبة} ابتداء وخبر في موضع جر صفة لسنا بل، ويجوز أن يرفع مائة حبة بالجار، لأنه قد اعتمد لما وقع صفة، ويجوز أن تكون الجملة صفة لسبع كقولك: رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارا، ويقرأ في الشاذ مائة بالنصب بدلا من سبع، أو بفعل محذوف تقديره: أخرجت.
والنون في سنبلة زائدة، وأصله من أسبل، وقيل هي أصل، والأصل في مائة مئية، يقال: أمأت الدراهم إذا صارت مائة ثم حذفت اللام تخفيفا كما حذفت لام يد.
قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم} مبتدأ، والخبر {لهم أجرهم} ولام الأذى ياء، يقال: أذى ياذى أذى مثل نصب ينصب نصبا.
قوله تعالى: {قول معروف} مبتدأ {ومغفرة} معطوف عليه، والتقدير: وسبب مغفرة، لأن المغفرة من الله فلا تفاضل بينها وبين فعل عبده، ويجوز أن تكون المغفرة مجاوزة المزكى واحتماله للفقير، فلا يكون فيه حذف مضاف، والخبر {خير من صدقة} و{يتبعها} صفة لصدقة، وقيل قول معروف مبتدأ خبره محذوف أي أمثل من غيره، ومغفرة مبتدأ، وخير خبره.
قوله تعالى: {كالذى ينفق} الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف، وفى الكلام حذف مضاف تقديره: إبطالا كإبطال الذي ينفق، ويجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير الفاعلين: أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ماله: أي مشبهين الذي يبطل إنفاقه بالرياء، و{رئاء الناس} مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال: أي ينفق مرائيا، والهمزة الأولى في رئاء عين الكلمة لأنه من راءى، والأخيرة بدل من الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة كالقضاء والدماء، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة، وقد قرئ به، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول.
ودخلت الفاء في قوله: {فمثله} لربط الجملة بما قبلها.
والصفوان جمع صفوانة، والجيد أن يقال هو جنس لا جمع.
ولذلك عاد الضمير إليه بلفظ الإفراد في قوله: {عليه تراب} وقيل هو مفرد، وقيل واحده صفا وجمع فعل على فعلان قليل، وحكى صفوان بكسر الصاد، وهو أكثر الجموع، ويقرأ بفتح الفاء وهو شاذ، لأن فعلانا شاذ في الأسماء وإنما يجئ في المصادر مثل الغليان والصفات مثل يوم صحوان، و{عليه تراب} في موضع جر صفة لصفوان، ولك أن ترفع ترابا بالجر لأنه قد اعتمد على ما قبله، وأن ترفعه بالابتداء، والفاء في {فأصابه} عاطفة على الجار، لأن تقديره: استقر عليه تراب فأصابه، وهذا أحد ما يقوى شبه الظرف بالفعل، والألف في أصاب منقلبة عن واو، لأنه من صاب يصوب {فتركه صلدا} هو مثل قوله: {وتركهم في ظلمات} وقد ذكر في أول السورة {لا يقدرون} مستأنف لا موضع له، وإنما جمع هنا بعد ما أفرد في قوله: {كالذى} وما بعده، لأن الذي هنا جنس، فيجوز أن يعود الضمير إليه مفردا وجمعا، ولا يجوز أن يكون من الذى، لأنه قد فصل بينهما بقوله: {فمثله} وما بعده.
قوله تعالى: {ابتغاء} مفعول من أجله {وتثبيتا} معطوف عليه، ويجوز أن يكونا حالين: أي مبتغين ومتثبتين {من أنفسهم} يجوز أن يكون من بمعنى اللام:
أي تثبيتا لأنفسهم كما تقول: فعلت ذلك كسرا من شهوتي، ويجوز أن تكون على أصلها أي تثبيتا صادرا من أنفسهم، والتثبيت مصدر فعل متعد، فعلى الوجه الأول يكون من أنفسهم مفعول المصدر، وعلى الوجه الثاني يكون المفعول محذوفا تقديره: ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية، ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى تثبت فيكون لازما، والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض: ومثله قوله تعالى: {وتبتل إليه تبتيلا} أي تبتلا.
وفى قوله: {ومثل الذين ينفقون} حذف تقديره: ومثل نفقة الذين ينفقون لأن المنفق لا يشبه بالجنة، وإنما تشبه النفقة التي تزكو بالجنة التي تثمر.
والربوة بضم الراء وفتحها وكسرها ثلاث لغات، وفيها لغة أخرى رباوة، وقد قرئ بذلك كله {أصابها} صفة للجنة، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من الجنة، لأنها قد وصفت، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في الجار، وقد مع الفعل مقدرة، ويجوز أن تكون الجملة صفة لربوة، لأن الجنة بعض الربوة.
والوابل من وبل، ويقال أوبل فهو موبل، وهى صفة غالبة لا يحتاج معها إلى ذكر الموصوف.
وآتت متعد إلى مفعولين، وقد حذف أحدهما: أي أعطت صاحبها، ويجوز أن يكون متعديا إلى واحد، لأن معنى آتت أخرجت، وهو من الإتاء وهو الريع.
والأكل بسكون الكاف وضمها لغتان، وقد قرئ جمعا والواحد منه أكلة وهو المأكول.
وأضاف الأكل إليها لأنها محله أو سببه، و{ضعفين} حال: أي مضاعفا {فطل} خبر مبتدإ محذوف تقديره: فالذي يصيبها طل، أو فالمصيب لها، أو فمصيبها.
ويجوز أن يكون فاعلا تقديره: فيصيبها طل، وحذف الفعل لدلالة فعل الشرط عليه.
والجزم في يصيبها بلم لا بإن، لأن لم عامل يختص بالمستقبل، وإن قد وليها الماضي، وقد يحذف معها الفعل، فجاز أن يبطل عملها.
قوله تعالى: {من نخيل} صفة لجنة، ونخيل جمع وهو نادر، وقيل هو جنس و{تجرى} صفة أخرى {له فيها من الثمرات} في الكلام حذف تقديره له فيها رزق من كل أو ثمرات من كل أنواع الثمرات، ولا يجوز أن يكون من مبتدإ وما قبله الخبر، لأن المبتدأ لا يكون جارا ومجرورا إلا إذا كان حرف الجر زائدا، ولا فاعلا، لأن حرف الجر لا يكون فاعلا ولكن يجوز أن يكون صفة لمحذوف، ولا يجوز أن تكون من زائدة على قول سيبويه، ولا على قول الأخفش، لأن المعنى يصير له فيها كل الثمرات، وليس الأمر على هذا إلا أن يراد به هاهنا الكثرة لا الاستيعاب، فيجوز أن الأخفش، لأنه يجوز زيادة {من} في الواجب وإضافة {كل} إلى ما بعدها بمعنى اللام، لأن المضاف إليه غير المضاف {وأصابه} الجملة حال من أحد، وقد مرادة تقديره: وقد أصابه، وقيل وضع الماضي موضع المضارع، وقيل حمل في العطف على المعنى، لأن المعنى أيود أحدكم أن لو كانت له جنة فأصابها وهو ضعيف، إذ لا حاجة إلى تغيير اللفظ مع صحة معناه {وله ذرية} جملة في موضع الحال من الهاء في أصابه.
واختلف في أصل الذرية على أربعة أوجه: أحدها أن أصلها ذرورة من ذر يذر إذا نشر، فأبدلت الراء الثانية ياء لاجتماع الراءات، ثم أبدلت الواو ياء ثم ادغمت، ثم كسرت الراء إتباعا، ومنهم من يكسر الذال إتباعا أيضا، وقد قرئ به.
والثانى أنه من ذر أيضا إلا أنه زاد الياءين، فوزنه فعلية.
والثالث أنه من ذرأ بالهمز فأصله على هذا ذروءة فعولة، ثم أبدلت الهمزة ياء وأبدلت الواو ياء فرارا من ثقل الهمزة الواو والضمة.
والرابع أنه من ذرا يذرو لقوله: {وتذروه الرياح} فأصله ذرورة ثم أبدلت الواو ياء ثم عمل ما تقدم، ويجوز أن يكون فعلية على الوجهين {فأصابها} معطوف على صفة الجنة.
قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات} المفعول محذوف: أي شيئا من طيبات، وقد ذكر مستوفى فيما تقدم {ولا تيمموا} الجمهور على تخفيف التاء وماضيه تيمم والأصل تتيمموا فحذف التاء الثانية كما ذكر في قوله: {تظاهرون} ويقرأ بتشديد التاء وقبله ألف، وهو جمع بين ساكنين، وإنما سوغ ذلك المد الذي في الألف، وقرئ بضم التاء وكسر الميم الأولى على أنه لم يحذف شيئا ووزنه تفعلوا {منه} متعلقة ب {تنفقون} والجملة في موضع الحال من الفاعل في تيمموا، وهى حال مقدرة لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه، ويجوز أن يكون حالامن الخبيث لأن في الكلام ضميرا يعود إليه: أي منفقا منه، والخبيث صفة غالبة فلذلك لا يذكر معها الموصوف {ولستم بآخذيه} مستأنف لا موضع له {إلا أن تغمضوا} في موضع الحال: أي إلا في حال الإغماض، والجمهور على ضم التاء وإسكان الغين وكسر الميم وماضيه أغمض وهو متعد، وقد حذف مفعوله أي تغمضوا أبصاركم أو بصائركم، ويجوز أن يكون لازما مثل أغضى عن كذا، ويقرأ كذلك إلا إنه بتشديد الميم وفتح الغين والتقدير: أبصاركم، ويقرأ تغمضوا بضم التاء والتخفيف وفتح الميم على ما لم يسم فاعله: والمعنى: إلا أن تحملوا على التفاعل عنه والمسامحة فيه، ويجوز أن يكون من أغمض إذا صودف على تلك الحال، كقولك: أحمد الرجل: أي وجد محمودا.
ويقرأ بفتح الفاء وإسكان الغين وكسر الميم من غمض يغمض، وهى لغة في غمض، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الميم وهو من غمض كظرف، أي خفى عليكم رأيكم فيه، قوله تعالى: {يعدكم} أصله يوعدكم فحذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، وهو يتعدى إلى مفعولين، وقد يجئ بالباء يقال وعدته بكذا {مغفرة منه} يجوز أن يكون صفة وأن يكون مفعولا متعلقا بيعد: أي يعدكم من تلقاء نفسه {وفضلا} تقديره: منه استغنى بالأولى عن إعادتها.
قوله تعالى: {ومن يؤت} يقرأ بضم الياء وفتح التاء، ومن على هذا مبتدأ وما بعدها الخبر، ويقرأ بكسر التاء، فمن على هذا في موضع نصب بيؤت، ويؤت مجزوم بها، فقد عمل فيما عمل فيه، والفاعل ضمير اسم الله، والأصل في {يذكر} يتذكر، فأبدلت التاء ذالا لتقرب منها فتدغم.
قوله تعالى: {ما أنفقتم} ما شرط وموضعها نصب بالفعل الذي يليها، وقد ذكرنا مثله في قوله: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله}.
قوله تعالى: {فنعما} نعم فعل جامد لا يكون فيه مستقبل وأصله نعم كعلم، وقد جاء على ذلك في الشعر إلا أنهم سكنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلا على الأصل، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل، ومنهم من يكسر النون والعين إتباعا، وبكل قد قرئ، وفيه قراءة أخرى هنا وهى إسكان العين والميم مع الإدغام، وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين، وقيل إن الراوى لم يضبط القراءة، لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا وفاعل نعم مضمر، وما بمعنى شيء وهو المخصوص بالمدح: أي نعم الشيء شيئا {هي} خبر مبتدإ محذوف، كأن قائلا قال، ما الشيء الممدوح، فيقال، هي أي الممدوح الصدقة.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون هي مبتدأ مؤخرا، ونعم وفاعلها الخبر: أي الصدقة نعم الشئ، واستغنى عن ضمير يعود على المبتدإ لاشتمال الجنس على المبتدإ {فهو خير لكم} الجملة جواب الشرط، وموضعها جزم، وهو ضمير مصدر لم يذكر، ولكن ذكر فعله، والتقدير: فالإخفاء خير لكم، أو فدفعها إلى الفقراء في خفية خير {ونكفر عنكم} يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عز وجل، ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضا، وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الاخفاء، ويقرأ وتكفر بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة، ويقرأ بجزم الراء عطفا على موضع فهو، وبالرفع على إضمار مبتدأ: أي ونحن أو وهى، و{من} هنا زائدة عند الأخفش، فيكون {سيئاتكم} المفعول، وعند سيبويه المفعول محذوف: أي شيئا من سيئاتكم، والسيئة فعيلة، وعينها واو لأنها من ساء يسوء فأصلها سيوئة، ثم عمل فيها ما ذكرنا في صيب.
قوله تعالى: {للفقراء} في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره: الصدقات المذكورة للفقراء، وقيل التقدير: اعجبوا للفقراء {في سبيل الله} {في} متعلقة بأحصروا على أنها ظرف له، ويجوز أن تكون حالا: أي أحصروا مجاهدين {لا يستطيعون} في موضع الحال، والعامل فيه أحصروا: أي أحصروا عاجزين ويجوز أن يكون مستأنفا {يحسبهم} حال أيضا، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له، وفيه لغتان كسر السين وفتحها، وقد قرئ بهما، و{الجاهل} جنس فلذلك لم يجمع ولا يراد به واحد {من التعفف} يجوز أن يتعلق {من} بيحسب: أي يحسبهم من أجل التعفف، ولا يجوز أن يتعلق بمعنى أغنياء، لأن المعنى يصير إلى ضد المقصود، وذلك أن معنى الآية أن حالهم يخفى على الجاهل بهم فيظنهم أغنياء، ولو علقت {من} بأغنياء صار المعنى أن الجاهل يظن أنهم أغنياء ولكن بالتعفف، والغنى بالتعفف فقير من المال {تعرفهم} يجوز أن يكون حالا وأن يكون مستأنفا، و{لا يسئلون} مثله و{إلحافا} مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه يسئلون، فكأنه قال: لا يلحفون، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: ولا يسألون ملحفين.
قوله تعالى: {الذين ينفقون} الموصول وصلته مبتدأ، وقوله: {فلهم أجرهم} جملة في موضع الخبر، ودخلت الفاء هنا لشبه الذي بالشرط في إبهامه ووصله بالفعل {بالليل} ظرفا والباء فيه بمعنى في، و{سرا وعلانية} مصدران في موضع الحال.
قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا} مبتدأ {لا يقومون} خبره، والكاف في موضع نصب وصفا لمصدر محذوف تقديره: إلا قياما مثل قيام الذي يتخبطه ولام الربا واو لأنه من ربا يربو وتثنيته ربوان، ويكتب بالألف.
وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء قالوا لأجل الكسرة التي في أوله وهو خطأ عندنا، و{من المس} يتعلق بيتخبطه: أي من جهة الجنون فيكون في موضع نصب {ذلك} مبتدأ، و{بأنهم قالوا} الخبر: أي مستحق بقولهم: {جاءه موعظة} إنما لم تثبت التاء لأن تأنيث الموعظة غير حقيقي، فالموعظة بمعنى.
قوله تعالى: {يمحق الله الربا} روى أبو زيد الأنصاري أن بعضهم قرأ بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة، وهى قراءة بعيدة إذ ليس في الكلام اسم في آخره واو قبلها ضمة لاسيما وقبل الضمة كسرة، وقد يؤول على أنه وقف على مذهب من قال هذه افعوا فتقلب الألف في الوقف واوا، فإما أن يكون لم يضبط الراوى حركة الباء أو يكون سمى قربها من الضمة ضما.
قوله تعالى: {ما بقى} الجمهور على فتح الباء، وقد قرئ شإذا بسكونها، ووجهه أنه خفف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة، وقد قال المبرد: تسكين ياء المنقوص في النصب من أحسن الضرورة هذا مع أنه معرب فهو في الفعل الماضي أحسن.
قوله تعالى: {فأذنوا} يقرأ بوصل الهمزة وفتح الذال وماضيه أذن، والمعنى: فأيقنوا بحرب، ويقرأ بقطع الهمزة والمد وكسر الذال وماضيه آذن: أي أعلم، والمفعول محذوف: أي فأعلموا غيركم، وقيل المعنى: صيروا عالمين بالحرب {لا تظلمون ولا تظلمون} يقرأ بتسمية الفاعل في الأول، وترك التسمية في الثاني ووجهه أن منعهم من الظلم أهم فبدئ به، ويقرأ بالعكس.
والوجه فيه أنه قدم ما تطمئن به نفوسهم من نفى الظلم عنهم ثم منعهم من الظلم، ويجوز أن تكون القراءتان بمعنى واحد، لأن الواو لا ترتب.
قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة} كان هنا التامة: أي إن حدث ذو عسرة، وقيل هي الناقصة، والخبر محذوف تقديره: وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق أو نحو ذلك، ولو نصب فقال ذا عسرة لكان الذي عليه الحق معينا بالذكر السابق، وليس ذلك في اللفظ إلا أن يتحمل لتقديره، والعسرة والعسر بمعنى، والنظرة بكسر الظاء مصدر بمعنى التأخير، والجمهور على الكسر، ويقرأ بالإسكان إيثارا للتخفيف كفخذ وفخذ وكتف وكتف، ويقرأ فناظرة بالألف وهى مصدر كالعاقبة والعافية، ويقرأ فناظره على الأمر كما تقول ساهله بالتأخير {إلى ميسرة} أي إلى وقت ميسرة أو وجود ميسرة، والجمهور على فتح السين والتأنيث، وقرئ بضم السين وجعل الهاء ضميرا، وهو بناء شاذ لم يأت منه إلا مكرم ومعون، على أن ذلك قد تؤول على أنه جمع مكرمة ومعونة، وتحتمل القراءة بعد ذلك أمرين: أحدهما أن يكون جمع ميسرة كما قالوا في البناءين.
والثانى أن يكون أراد ميسورة فحذف الواو اكتفاء بدلالة الضمة عليها وارتفاع نظرة على الابتداء والخبر محذوف: أي فعليكم نظرة.
وإلى يتعلق بنظرة {وأن تصدقوا} يقرأ بالتشديد وأصله تتصدقوا، فقلب التاء الثانية صادا وأدغمها، ويقرأ بالتخفيف على أنه حذف التاء حذفا.
قوله تعالى: {ترجعون فيه} الجملة صفة يوم، ويقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل، وبضمها على ترك التسمية على أنه من ترجعته: أي رددته، وهو متعد على هذا الوجه، ولولا ذلك لما بنى لما لم يسم فاعله، ويقرأ بالياء على الغيبة {وهم لا يظلمون} يجوز أن يكون حالا من {كل} لأنها في معنى الجمع، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يرجعون على القراءة بالياء على أنه خرج من الخطاب إلى الغيبة كقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}.
قوله تعالى: {إلى أجل} هو متعلق بتداينتم، ويجوز أن يكون صفة لدين: أي مؤخر ومؤجل، وألف {مسمى} منقلبة عن ياء، وكذا كل ألف وقعت رابعة فصاعدا إذا كانت منقلبة فإنها تكون منقلبة عن ياء، ثم ينظر في أصل الياء {بالعدل} متعلق بقوله: {وليكتب} أي ليكتب بالحق، فيجوز أن يكون أي وليكتب عادلا، ويجوز أن يكون مفعولا به، أي بسبب العدل، وقيل الباء زائدة، والتقدير: وليكتب العدل، وقيل هو متعلق بكاتب: أي كاتب موصوف بالعدل أو محضار {كما علمه الله} الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف، وهو من تمام أن يكتب، وقيل هو متعلق بقوله: {فليكتب} ويكون الكلام قد تم عند قوله: أن يكتب، والتقدير: فليكتب كما علمه الله {وليملل} ماضى هذا الفعل أمل، وفيه لغة أخرى أملى، ومنه قوله: {فهى تملى عليه} وفيه كلام يأتي في موضعه إن شاء الله {منه شيئا} يجوز أن يتعلق من بيبخس، ويكون لابتداء غاية البخس، ويجوز أن يكون التقدير شيئا منه، فلما قدمه صار حالا والهاء للحق {أن يمل هو} هو هنا توكيد والفاعل مضمر، والجمهور على ضم الهاء، لأنها كلمة منفصلة عما قبلها فهى مبدوء بها وقرئ بإسكانها على أن يكون أجرى المنفصل مجرى المتصل بالواو أو الفاء أو اللام نحو وهو فهو لهو {بالعدل} مثل الأولى {من رجالكم} يجوز أن يكون صفة لشهيدين، ويجوز أن يتعلق باستشهدوا {فان لم يكونا} الألف ضمير الشاهدين {فرجل} خبر مبتدأ محذوف: أي فالمستشهد رجل {وامرأتان} وقيل هو فاعل: أي فليستشهد رجل، وقيل الخبر محذوف تقديره: رجل وامرأتان يشهدون، ولو كان قد قرئ بالنصب لكان التقدير فاستشهدوا، وقرئ في الشاذ وامرأتان بهمزة ساكنة، ووجهه أنه خفف الهمزة فقربت من الألف، والمقربة من الألف في حكمها ولهذا لا يبتدأ بها، فلما صارت كالألف قلبها همزة ساكنة كما قالوا خأتم وعألم، قال ابن جنى: ولا يجوز أن يكون سكن الهمزة لأن المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة، ولو قيل إنه سكن الهمزة لتوالى الحركات وتوالى الحركات يجتنب وإن كانت الحركة فتحة كما سكنوا باء ضربت لكان حسنا {ممن ترضون} هو في موضع رفع صفة لرجل وامرأتين تقديره: مرضيون، وقيل هو صفة لشهيدين وهو ضعيف للفصل الواقع بينهما، وقيل هو بدل من {من رجالكم} وأصل ترضون ترضوون، لأن لام الرضا واو لقولك الرضوان {من الشهداء} يجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف: أي ترضونه كائنا من الشهداء، ويجوز أن يكون بدلا من {من} {أن تضل} يقرأ بفتح الهمزة على أنها المصدرية الناصية للفعل وهو مفعول له وتقديره: لأن تضل إحداهما {فتذكر} بالنصب معطوف عليه.
فإن قلت: ليس الغرض من استشهاد المرأتين مع الرجل أن تضل إحداهما فكيف يقدر باللام.
فالجواب ما قاله سيبويه: إن هذا كلام محمول على المعنى، وعادة العرب أن تقدم ما فيه السبب فيجعل في موضع المسبب لأنه يصير إليه، ومثله قولك أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه بها، ومعلوم أنك لم تقصد بإعداد الخشبة ميل الحائط، وإنما المعنى لادعم بها الحائط إذا مال، فكذلك الآية تقديرها: لأن تذكر إحداهما الاخرى إذا ضلت أو لضلالها، ولا يجوز أن يكون التقدير: مخافة أن تضل، لأنه عطف عليه فتذكر، فيصير المعنى مخافة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا عكس المراد، ويقرأ فتذكر بالرفع على الاستئناف.
ويقرأ إن بكسر الهمزة على أنها شرط، وفتحة اللام على هذا حركة بناء لالتقاء الساكنين، فتذكر جواب الشرط، ورفع الفعل لدخول الفاء الجواب، ويقرأ بتشديد الكاف وتخفيفها، يقال: ذكرته وأذكرته، و{إحداهما} للفاعل، و{الأخرى} المفعول ويصح في المعنى العكس إلا أنه يمتنع في الإعراب على ظاهر قول النحويين، لأن الفاعل والمفعول إذا لم يظهر فيهما علامة الإعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كل موضع يخاف فيه اللبس، فعلى هذا أمن اللبس جاز تقديم المفعول كقولك: كسر عيسى العصا، وهذه الآية من هذا القبيل، لأن النسيان والإذكار لا يتعين في واحدة منهما، بل ذلك على الإبهام، وقد علم بقوله: {فتذكر} أن التي تذكر هي الذاكرة، والتى تذكر هي الناسية، كما علم لفظ كسر من يصح منه الكسر، فعلى هذا يجوز أن يجعل إحداهما فاعلا، والأخرى مفعولا، وأن يعكس.
فإن قيل: لم لم يقل فتذكرها الأخرى.
قيل فيه وجهان: أحدهما أنه أعاد الظاهر ليدل على الإبهام في الذكر والنسيان، ولو أضمر لتعين عوده إلى المذكور، والثانى أنه وضع الظاهر موضع المضمر تقديره فتذكرها، وهذا يدل على أن إحداهما الثانية مفعول مقدم، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه، لأن الضمير هو المظهر بعينه، والمظهر الأول فاعل تضل، فلو جعل الضمير لذلك المظهر لكانت الناسية هي المذكرة وذا محال، والمفعول الثاني لتذكر محذوف تقديره: الشهادة ونحو ذلك وكذلك مفعول {يأب} وتقديره: ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة وتحمل الشهادة، و{إذا} ظرف ليأب ويجوز أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف، و{أن تكتبوه} في موضع نصب بتسأموا وتسأموا يتعدى بنفسه، وقيل بحرف الجر، و{صغيرا أو كبيرا} حالان من الهاء، و{إلى} متعلقة بتكتبوه، ويجوز أن تكون حالا من الهاء أيضا، و{عند الله} ظرف لأقسط، واللام في قوله: {للشهادة} يتعلق بأقوم، وأفعل يعمل في الظروف وحروف الجر، وصحت الواو في أقوم كما صحت في فعل التعجب، وذلك لجموده وإجرائه مجرى الأسماء الجامدة، وأقوم يجوز أن يكون من أقام المتعدية لكنه حذف الهمزة الزائدة ثم أتى بهمزة أفعل كقوله تعالى: {أي الحزبين أحصى} فيكون المعنى: أثبت لإقامتكم الشهادة، ويجوز أن يكون من قام اللازم، ويكون المعنى: ذلك أثبت لقيام الشهادة، وقامت الشهادة ثبتت وألف {أدنى} منقلبة عن واو لأنه من دنا يدنو، و{أن لا ترتابوا} في موضع نصب، وتقديره.
وأدنى لئلا ترتابوا، أو إلى أن لا ترتابوا {تجارة} يقرأ بالرفع على أن تكون التامة، و{حاضرة} صفتها، ويجوز أن تكون الناقصة، واسمها تجارة، وحاضرة صفتها، و{تديرونها} الخبر، و{بينكم} ظرف لتديرونها، وقرئ بالنصب على أن يكون اسم الفاعل مضمرا فيه تقديره، إلا أن تكون المبايعة تجارة، والجملة المستثناة في موضع نصب لأنه استثناء من الجنس، لأنه أمر بالاستشهاد في كل معاملة، واستثنى منه التجارة الحاضرة، والتقدير: إلا في حال حضور التجارة، ودخلت الفاء في {فليس} إيذانا بتعلق ما بعدها بما قبلها، و{أن لا تكتموها} تقديره في ألا تكتبوها، وقد تقدم الخلاف في موضعه من الإعراب في غير موضع {ولا يضار كاتب} فيه وجوه من القراءات قد ذكرت في قوله: {لا تضار والدة} وقرئ هنا بإسكان الراء مع التشديد وهى ضعيفة، لأنه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن إلا أن لها وجها وهو أن الألف لمدها تجرى مجرى المتحرك فيبقى ساكنان، والوقف عليه ممكن، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، أو يكون وقف عليه وقيفة يسيرة، وقد جاء ذلك في القوافى.
والهاء في {فإنه} تعود على الإباء أو الإضرار، و{بكم} متعلق بمحذوف تقديره لاحق بكم {ويعلمكم الله} مستأنف لا موضع له، وقيل موضعه حال من الفاعل في اتقوا تقديره: واتقوا الله مضمونا التعليم أو الهداية، ويجوز أن يكون حالا مقدرة.
قوله تعالى: {فرهن} خبر مبتدإ محذوف تقديره: فالوثيقة أو التوثق، ويقرأ بضم الهاء وسكونها وهو جمع رهن مثل سقف وسقف وأسد وأسد، والتسكين لثقل الضمة بعد الضمة، وقيل رهن جمع رهان ورهان جمع رهن، وقد قرئ به مثل كلب وكلاب، والرهن مصدر في الأصل وهو هنا بمعنى مرهون {الذى اؤتمن} إذا وقفت على الذي ابتدأت أو تمن، فالهمزة للوصل والواو بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، فإذا وصلت حذفت همزة الوصل وأعدت الواو إلى أصلها وهو الهمزة، وحذفت ياء الذي لالتقاء الساكنين، وقد أبدلت الهمزة ياء ساكنة، وياء الذي محذوفة لما ذكرنا، وقد قرئ به {أمانته} مفعول يؤد لا مصدر اؤتمن، والأمانة بمعنى المؤتمن {ولا تكتموا} الجمهور على التاء للخطاب كصدر الآية وقرئ بالياء على الغيبة لأن قبله غيبا، إلا أن الذي قبله مفرد في اللفظ وهو جنس، فلذلك جاء الضمير مجموعا على المعنى {فإنه} الهاء ضمير من، ويجوز أن تكون ضمير الشأن، و{آثم} فيه أوجه: أحدها أنه خبر إن، و{قلبه} مرفوع به، والثانى كذلك إلا أن قلبه بدل من آثم لا على نية طرح الأول، والثالث أن قلبه بدل من الضمير في آثم، والرابع أن قلبه مبتدأ وآثم خبر مقدم، والجملة خبر إن، وأجاز قوم قلبه بالنصب على التمييز وهو بعيد لأنه معرفة.
قوله تعالى: {فيغفر لمن يشاء ويعذب} يقرآن بالرفع على الإستئناف: أي فهو يغفر، وبالجزم عطفا على جواب الشرط، وبالنصب عطفا على المعنى بإضمار أن تقديره: فإن يغفر، وهذا يسمى الصرف، والتقدير: يكن منه حساب فغفران، وقرئ في الشاذ بحذف الفاء، والجزم على أنه بدل من يحاسبكم.
قوله تعالى: {والمؤمنون} معطوف على الرسول فيكون الكلام تاما عنده، وقيل المؤمنون مبتدأ، و{كل} مبتدأ ثان والتقدير: كل منهم، و{آمن} خبر المبتدإ الثاني، والجملة خبر الأول، وأفرد الضمير في آمن ردا على لفظ كل {وكتبه} يقرأ بغير ألف على الجمع، لأن الذي معه جمع، ويقرأ: {وكتابه} على الإفراد وهو جنس، ويجوز أن يراد به القرآن وحده {ورسله} يقرأ بالضم والإسكان، وقد ذكر وجهه {لا نفرق} تقديره: يقولون وهو في موضع الحال وأضاف {بين} إلى أحد، لأن أحدا في معنى الجمع {وقالوا} معطوف على آمن {غفرانك} أي اغفر غفرانك فهو منصوب على المصدر، وقيل التقدير: نسألك غفرانك.
قوله تعالى: {كسبت} وفى الثانية {اكتسبت} قال قوم: لافرق بينهما، واحتجوا بقوله: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} وقال: {ذوقوا ما كنتم تكسبون} فجعل الكسب في السيئات كما جعله في الحسنات: وقال آخرون: اكتسب افتعل بدل على شدة الكلفة، وفعل السيئة شديد لما يؤول إليه {ولا تؤاخذنا} يقرأ بالهمزة والتخفيف، والماضي آخذته، وهو من الأخذ بالذنب وحكى وأخذته بالواو. اهـ.